في بيت لاهيا.. دماء ودموع وموت ودمار وقذائف صهيونية لم تتوقف!!
لكل مواطن في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة قصة مع الألم والحزن والدمار، تماماً كما كان لكل من دخل هذه المنطقة شهادة على ما رأته عيناه من مشاهد الموت والخراب، مثل هذه القصص لن تكون الأولى ولا الأخيرة في مكان يشهد بمدى بشاعة العدوان الصهيوني عليها مع مطلع الشهر الجاري، بعد انتهاء العملية العسكرية التي أطلق عليها "سيف جلعاد" خرج المواطنون ومشاعر الفرح تنتابهم لأنهم أظهروا بطولة رائعة في مواجهة العدوان بصمودهم الاستثنائي، ورغم ذلك فإن الحزن لم يفارق قلوبهم التي بكت دماً ودموعاً على من رحلوا من أحبابهم، وعلى ما تم تدميره وتجريفه مما يملكه هذا المواطن البسيط في هذه الدنيا من أرض يقتات منها لقمة عيشه.
رسالة المسعفين السامية
المسعف محمد أبو سمرة من مستشفى العودة قال: "كنا ندرك خطورة دخولنا إلى منطقة العمليات العسكرية لجيش الاحتلال، ولكن رسالتنا السامية كانت تحتم علينا إنقاذ الضحايا بكل السبل".
وأضاف أبو سمرة: "المشهد كان صعباً، أشلاء كان يصعب علينا تمييز أصحابها، لأن الصواريخ التي أطلقت كانت شديدة الانفجار حيث حولت أجساد الضحايا إلى أشلاء متناثرة".
والمشهد الأكثر إيلاماً تمثل في اكتشاف الأطباء عندما كانوا يستقبلون أشلاء شهيد وصلت إلى مستشفى العودة أن هذه الأشلاء تعود لشخص معاق.
مشهد آخر أكثر إيلاماً يرويه زياد عبد الدايم سائق سيارة إسعاف في مستشفى بيت لاهيا قائلاًً "قمنا بسحب الشهيد مصباح العطار (24عاماً) من فوق الطابق الثاني بعد أن أطلق علينا قوات الاحتلال نيرانه بكثافة لمنعنا من نقل الشهيد، حيث قام أحد أقارب الشهيد بربطه وسحبه من فوق الطابق الثاني لنقل جثمانه للمستشفى، وكم كانت مغامرة لا تنسى".
ويضيف عبد الدايم بالقول: "الوضع حتى للطواقم الطبية صعب للغاية، ولا يمكننا العمل على هذا الحال لأن استهدافنا بات مؤكداً من جيش الاحتلال".
قتل وتدميروقد رصد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان الجرائم الصهيونية، موضحاً أنه بتاريخ 06/07/2006 اجتاحت قوات الاحتلال الحربي الصهيوني مدينة بيت لاهيا وأحياءها المختلفة، واستخدمت عشرات الدبابات والآليات الحربية، بما فيها الجرافات العسكرية، وبتغطية من الطائرات الاستطلاعية والطائرات المقاتلة، فضلاً عن انتشار القوارب البحرية مقابل شواطئ المدينة، وقد بدأت العملية العسكرية للقوات الحربية المحتلة عندما تحرَّكت تلك القوات في حوالي الساعة الرابعة فجراً، قادمة من داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، وعبَّرت من الحدود الشمالية الغربية لقطاع غزة، وعبر الطريق الساحلي إلى منطقتي حي السلاطين والعطاطرة في مدينة بيت لاهيا، حيث قام جنود القوات المحتلة بتنفيذ عمليات احتلال لمنازل المواطنين المدنيين، وذلك بعد احتجازهم في أحد غرف منازلهم، واستخدام بعضهم كدروع بشرية.
وذكر المركز الفلسطيني أن العملية الحربية لقوات الاحتلال الحربي الصهيوني، والتي استمرت لأكثر من 48 ساعة أسفرت عن استشهاد 40 فلسطينياً، بينهم 7 أطفال واثنان من ذوي الاحتياجات الخاصة، وقد جرح خلال العملية 140 فلسطينياً، بينهم 48 طفلاً و 6 نساء، وتعرض أكثر من 100 منزل إلى عمليات تدمير كلي وجزئي، يقطنها 148 عائلة قوامها أكثر من 1000 شخص، أكثر من نصفهم من النساء والأطفال، وذلك في إحصائية نشرها المركز بعدد الشهداء والجرحى في محافظة شمال غزة منذ بدء اجتياح شمال وغرب بيت لاهيا خلال المدَّة من 6/7/2006 ولغاية 12/7/ 2006.
وأكد المركز الفلسطيني أن البنية التحتية والأراضي الزراعية والممتلكات والأعيان المدنية تعرضت إلى عمليات تدمير وتجريف منظم خلال العملية الحربية للقوات المحتلة، ووفقاً لمعلومات المركز فقد بلغت الأراضي الزراعية التي تم تجريفها وتدميرها حوالي 400 دونم، بينها أكثر من 277 دونم من الأراضي المزروعة بالأشجار المثمرة كالزيتون والجوافة والحمضيات والخضروات، فضلاً عن حوالي 63 دفيئة زراعية كانت مقامة على أكثر من 120 دونماً، ومزروعة بمختلف أنواع الخضار، وقد شملت عمليات تدمير وتجريف الأراضي الزراعية تدمير 5 آبار مياه تغذي الأراضي الزراعية والسكان، كما دمَّرت القوات الحربية المحتلة حوالي 2000 متر من السياج (الشبك الحديدي) الذي كان يسور تلك الأراضي، وحوالي 102 من شبكات الرِّي الزراعي في تلك الأراضي.
كما تعرضت أكثر من 5 منشآت تجارية إلى عمليات التدمير، بالإضافة إلى 6 سيارات مدنية، بينها سيارتين لنقل مياه الشرب، حيث دمرت جميعها بالكامل، كما تعرضت شبكة الكهرباء في المدينة وضواحيها إلى أضرار بالغة، شملت محولات الضغط العالي والضغط المرتفع والكوابل المعزولة، فضلاً عن تدمير أكثر من 120 عامود من أعمدة الكهرباء الخشبية والحديدية، وتعرضت الطرق الرئيسة والفرعية، وخاصة الطرق الزراعية إلى عمليات تجريف وتدمير، وطالت أعمال التخريب والتجريف شبكات الصرف الصحي وشبكات المياه الرئيسية والفرعية.
مقاومة الموت"أم محمد" زقوت وهي مسنة تقطن في منطقة العطاطرة في بيت لاهيا وتعاني من الشلل النصفي وكذلك من مرض السكر حيث بقيت تعاني هذه السيدة من الحصار لمدة يومين رغم أنها تحتاج للعلاج الطبيعي بشكل يومي.
عائلة غباين التي احتجز جنود الاحتلال خمسين فرداً منها في عائلة واحدة، تحدثوا عن تفاصيل معاناتهم مع الاجتياح الصهيوني لبيت لاهيا، رياض غباين قال: "إنه وعائلته وعائلات أشقائه يعيشون في بناية واحدة، وكل منهم له شقته الخاصة، حيث إنَّه في اليومين الأولين كانوا محاصرين كسائر سكان بيت لاهيا جميعاً، لكنهم في اليوم الثالث فوجئوا باقتحام المنزل وهدم السور المحيط به.
وذكر أنه حاول ووالدته التي تتجاوز الثمانين من عمرها منعهم، فأطلقوا النار صوبهما لترهيبهما، وأمروه بأن ينزل جميع القاطنين من باقي الشقق السكنية ووضعهم في غرفة واحدة لمدة تزيد على 24ساعة دون أن يسمحوا لهم بإدخال المياه أو الطعام.
وتقول صبيحة غباين زوجة الأخ الكبير في العائلة بدموع ممتزجة بالألم: "لم يكتفوا بتدمير شقتي واعتقال ابني الكبير رائد، بل قاموا بتفتيش الخزانة وسرقة أربعة آلاف وثمانمائة دينار، ومن ثمَّ سرقوا مصاغ عروس ابني."
وتصف صبحية ما حدث في ذلك اليوم الأكثر رعباً في حياة العائلة التي لم تتخيل أن يصل فيها بطش الجنود إلى هذه الدرجة، موضحة أنها في تلك اللحظات أصابتها الحيرة ولم تعرف منْ تحمي، وعلى من تخاف من كثرة أفراد عائلتها المحتجزين والمعرضين للخطر وكلهم أعزاء عليها.
ابنها رامي غباين (19عاماً) يصف كيف أخذ الجنود رجال العائلة بعدما أمروهم بخلع ملابسهم وعصبوا عيونهم بعصبات سوداء ووضعوهم جميعاً في حفرة كبيرة.
وأكد رامي أنه شعر لحظتها أن الجنود سيقومون بإعدام جميع الرجال الذين وضعوهم في الحفرة، حيث أخذ يتذكر كل أفراد عائلته ومنزلهم ويودِّع الجميع بصمت.
لا خيار لنا إلا البقاء
الجدّة فاطمة (87 عاماً) قالت: "إنها سارعت بعد انسحاب الجنود للاطمئنان على الجميع، ومن ثمَّ ذهبت إلى لفِّ الدار لتطمئن على أشجارها، لكنَّها وجدت أن شفرة الجرافة اخترقت الأشجار ثم سوَّاها جنزير الدبابة بالأرض، والذي تتضح آثاره فوق أشجار العنب والتين والتي اختلطت ثمارها بالرمل.
وتصف زهوة غباين قائلة: "حتى الحمَّام لم يسمحوا لنا بالذهاب إليه إلا بعد أن يأذن لنا الجندي الذي كان يحرس الغرفة، والذي كان حين يسمع أحد الأطفال يبكي أو النساء يتحدثن مع بعضهن فإنه يصرخ في وجوه الجميع ويوجه السلاح نحوهم لتخويفهم، مشيرة إلى أن الجنود تعمّدوا إغلاق جميع النوافذ في الغرفة التي احتجزوهم فيها، ما أدَّى إلى إغماء واختناق ابنتهم رانيا التي لم يسعفوها إلا بعد فك الحصار عنهم حيث تم نقلها مستشفى كمال عدوان لتلقى العلاج نتيجة ضيق التنفس والصدمة النفسية.
من جهة أخرى، أصَّر المواطن محمد مبارك (50 عاماً) من حي السلاطين في بيت لاهيا على البقاء في بيته الذي استهدفته قوات الاحتلال بقذيفة مدفعية صهيونية مما أدى إلى تدمير جزء كبير في المدَّة التي تعرَّضت فيها المنطقة للاجتياح.
ووصف مبارك الاجتياح بأنه حرب حقيقية استخدمت فيها قوات الاحتلال الصواريخ والقذائف المحرَّمة دولياً، مضيفاً أن هذه القوات حوَّلت حياتهم إلى رعب وخوف، فلم يستطيعوا النوم ليلاً أو نهاراً، بعد أن منعت عنهم الإمدادات الغذائية والمساعدات الإنسانية.
ووجه مبارك من جهته التحية إلى رجال المقاومة الذين دافعوا عن سكان البلدة وتصَّدوا للعدوان الذي يريد أن يمحو منطقة بيت لاهيا عن الوجود
موضوع: في بيت لاهيا.. دماء ودموع وموت ودمار وقذائف صهيونية لم تتوقف!! 
الأربعاء سبتمبر 10, 2008 4:10 pm
