هل حركة فح جزء من سياق عام في فلسطين والمنطقة والعالم أم ان لها مداراً تدور فيه خاص بها؟ وهل هي إحدى مفردات وعاء الزمن الذي تعيش فيه أم انها شيء آخر؟.
مثل هذه الأسئلة التي تجنح إلى الفلسفة أكثر مما تنخرط في السياسة، مردها الأساسي إلى التطمينات التي مسمعها تتوالى هذه الأيام حول حتمية انعقاد مؤتمر فتح السادس قبل نهاية هذه السنة !!!، وان اللعبة الديمقراطية تجري في فتح على قدم وثاق !!! وان حركة فتح قد اختارت بشكل نهائي النموذج الديمقراطي لتجديد هياكلها واختيار قدراتها !!! وإن مؤتمرات الأقاليم التي سيتشكل من نتائجها المؤتمر العام السادس متواصلة دون توقف !!! وانه لم يبق سوى مسائل ثانوية مثل عدد أعضاء المؤتمر العام السادس، ومكان انعقاده هل يكون في فلسطين أم في القاهرة أم في أي مكان آخر ؟
ولو دققنا النظر في مسألة عدد أعضاء المؤتمر ومكان انعقاده، فسوف نكتشف أن المسألة صعبة جدا، بل تكاد تلامس حافة الخطر أو جدران المستحيل !!! ذلك ان عدد ونوعية أعضاء مؤتمر عام لأي حزب أو حركة أو تكوين سياسي هو العامل ' الجيني ' الحاسم الذي سيورث الحكمة أو الجنون، الحيوية أو الخمول، الوحدة أو الانشقاق !!! وخاصة في حركة فتح التي إن انعقد مؤتمرها هذه السنة، فسيكون قد مضى قرابة عشرين عاما جرى فيها أشياء خارقة على مستوى المكان والزمان والحضور والشهور أيضا.
وأول المتغيرات الكبرى : ان النظام الدولي السابق الذي كانت فتح وآلاف من التكوينات السياسية في العالم تسبح في فضائه، وتعتمد على خصوصياته، ذلك النظام الدولي ثنائي القضية، قد سقط بشكل أكثر إثارة من أساطير الخيال، ومع سقوطه افلت إمبراطوريات ودول ومنظومات، وما بقى عالقا على قيد الحياة فإنه يعاني أشد المعاناة من أجل البقاء، وينمك في إجراء تجارب مؤلمة في تغير جلده، وفي التكيف مع وظائف عضوية وانماط تحالفية لم تكن تخطر على البال، فأين حركة فتح من كل ذلك ؟
وثاني هذه المتغيرات الكبرى : ان حركة فتح قد اجتازت المسافة بين المنفى والوطن !!! وانا شخصيا وعلى المستوى الفلسفي أشعر بخيبة أمل كبرى من أولئك الذين يعتقدون ان اجتياز هذه المسافة ليس سوى نقطة من آلاف النقاط !!! هذا شيء مؤسف، لأن صراع الحياة أو الموت يدور اليوم حول هذه المسألة على وجه التحديد حيث مكسب أوسلو المركزي والعبقري الذي يستحق التضحية هو الاعتراف الدولي بنظام سياسي فلسطيني على ارض فلسطين !!! صحيح انه نظام محاصر، ومثقل باشتراطات التكيف والتغير، ومطلوب منه استيعاب حقائق وأدوار جديدة، ولكن الحلقة المركزية ان فكرة الشعب الذائد عن الحاجة قد سقطت إلا عند من يعدون الأوهام !!! وان هذا الانتقال من المنفى إلى الوطن هو مسالة حاسمة، وان التفكير خارج هذه الحقيقة الكبرى يجعل المتشبثين بأمجاد المنفى يشبهون على نحو ما ما يقوله نقاد الأدب عن جنرالات دستيويفسكي، جنرالات يتحدثون عن انتصارات لا تحدث قط، وعن نساء وقعن في غرام أولئك الجنرالات ليس لهن وجود !!!
وثالث هذه المتغيرات الكبرى : هو طبيعة المكان السياسي وطبيعة الزمان السياسي وهما حقيقتان كبيرتان تواجهان أصحاب ' الفشخرة ' المجانية التي تقول ان حركة فتح إذا لم يعجبها الإيقاع الحالي للمفاوضات فسوف تعود إلى الكفاح المسلح !!! هذا شيئ أشبه بالهذيان الذي يصاحب اضطرابات العصبية والنفسية !!! هل يوجد زمن سياسي يتواءم مع هذا الكلام ؟؟؟ وهل يوجد مكان سياسي لننصب قواعد عسكرية من جديد على امتداد مئات الكيلو مترات في الدول المحيطة بنا ؟؟؟
وهناك بطبيعة الحال العديد من الأسئلة على هذا المستوى، والمفروض ان مثل هذه الأسئلة نجد بدايات وأصداء أولية لها في المؤتمرات التي تجري حاليا المؤهلة للمؤتمر العام السادس، لتصبح حين ينعقد المؤتمر السادس هي الأسئلة الرئيسية التي يتم على ضوئها التعاقد الجديد لإنتاج قيادة جديدة وإنتاج بنيوية جديدة التي تنتج لنا هياكل وآليات وديناميات تحمل عبأ تنفيذ البرنامج السياسي الجديد.
وهذا بدورة يدخلنا إلى المشهد الراهن، وهو هذه المؤتمرات التي تنعقد في غزة والضفة - وليس عندي متابعة لمؤتمرات فتح في الخارج- حيث يقال ان هذه المؤتمرات وغزة تجرى على قواعد ديمقراطية!! هل هذا صحيح ؟؟؟ وما هي الفكرة الملهمة التي يدور حولها هذا الحراك الديمقراطي؟؟؟ وهل الديمقراطية في هذه المؤتمرات تسير على طريقة ' ساقية جحا ' تغرف من البحر وتسكب بالبحر، ام انها تغرف من متابع عميقة جديدة وتسكب في مساحات وحدائق جديدة؟؟؟
في النسيج اليومي: ممتاز جدا ان يكون في فتح حرس قديم وحرس جديد، محافظون وإصلاحيون، دجمائيون ومستنيرون، رجال أعمال وشغيلة وفلاحون، مثقفون وميدانيون، قطريون وقوميون وأميون وإسلاميون. . . إلى آخره.
هذا الشيء ممتاز فعلاً، وهذا هو النسيج الحقيقي للشعب الفلسطيني، ولكن المهم ان نرى كل ذلك يتفاعل بشكل واضح في المؤتمرات القاعدية التي تنقل هذا التفاعل إلى المؤتمر العام السادس، الذي يصل بنا إلى فكرة ملهمة جديدة، وتعاقد جديد، وبرنامج سياسي جديد، ينتمي بكل قوة وكفاءة إلى المكان السياسي والزمن السياسي الذي نعيش فيه وليس إلى زمن الحكاية المكررة!!!.
لنتذكر ان حركة فتح غاب عنها الغالبية الساحقة من مؤسسيها الأوائل، وبالتالي فإن إنتاج قيادة جديدة لا يتم عبر استنساب قيادة من الباقين أو الطامحين بشكل ميكانيكي!! فعلينا ان نعترف انه حتى لو بقى المؤسسون الأوائل حاضرين بيننا، وقابضين أيضا على زمام القرار، فإن قدرتهم على التقدم إلى الأمام تحت شروط المكان الجديد والزمان الجديد ستكون محدودة جداً وربما معدومة تماماً!!
والتحدي أمام حركة فتح هو توسيع رقعة الحوار والنقاش والتعمق الفكري والسياسي لإنتاج حلم جديد ودور جديد.
فأهلاً بالمؤتمر العام السادس متى انعقد، وفي أي مكان ينعقد، وبأي حضور يتم الاحتفال