الـمفاوضات شر لا فرار منه

اسم الكاتب : حمادة فراعنة

لأن حركة حماس، تمارس التفاوض مع العدو الإسرائيلي، عبر قناتين، لـم يستطع زكي بني ارشيد وقادة حركة الإخوان الـمسلـمين في الأردن، إدانة الـمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، أو الاحتجاج عليها كما كانوا يفعلون طوال السنوات الـماضية، حينما لـم يكن لحركة حماس دور سياسي تلعبه، وكان دورها كفاحياً قتالياً، قبل مشاركتها في الانتخابات البلدية 2005 والانتخابات البرلـمانية 2006، وتشكيلها الحكومة الفلسطينية الحزبية الأولى في 28/3/2006 والحكومة الائتلافية الثانية في 15/2/2007، وانقلابها على السلطة الشرعية في 14/6/2007 وسيطرتها بالكامل على قطاع غزة وتفردها به بعد ذلك إلى يومنا هذا.

حينما كانت حركة فتح تقود السلطة والـمفاوضات طوال السنوات الـماضية، كانت الـمفاوضات مع العدو في نظر حركة حماس محرمة ومؤذية وتمنح العدو الإسرائيلي شرعيته أو تمنحه الشرعية التي يسعى إليها ويفتقدها، أما بعد انقلاب حركة حماس وسيطرتها على القطاع، فقد سعت حماس إلى فتح التفاوض مع الإسرائيليين عبر قناتين الأولى علنية عبر الوسيط الـمصري لتحقيق أغراض سياسية وأمنية تحت عنوان التهدئة، والثانية غير علنية عبر الـمستشار أحمد يوسف الذي يسعى نحو الأوروبيين لفتح قنوات تفاوضية مباشرة أو غير مباشرة مع الإسرائيليين مع تقديم مبادرات سياسية ذات طابع سياسي بعيد الـمدى، وهو يقوم بهذا العمل ليس بدوافع شخصية أو مبادرات من عنده أو اجتهاد شخصي من ذاته، بل يقوم بذلك بتفويض كامل من قيادة حركة حماس بالداخل والخارج، سواء من قبل محمود الزهار بالداخل أو من قبل خالد مشعل بالخارج، وفي أول خروج له من عنده بعد الانقلاب برفقة محمود الزهار وسعيد صيام، كانت لديه جولة أوروبية بدأها من دمشق وختمها في دمشق بتفويض ودعم وتثنية من قبل رئيس الـمكتب السياسي لحركة حماس.

في خطابه الـمعلن أمام مجلس الشورى الخامس لحزب جبهة العمل الإسلامي يوم 24/5/2008، لـم يستطع زكي بني ارشيد، إدانة الـمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية أو الاحتجاج عليها لأن حركة حماس تمارس هذا التفاوض مع العدو الإسرائيلي، ولذلك استعمل مفردات التشكيك والإدانة للـمفاوض الفلسطيني والطعن بقدراته ومصداقيته، أي أنه لا يرفض الـمفاوضات مع العدو، بل يرفض الـمفاوض ويطعن به، رغم عدم معرفته بفحوى الـمفاوضات ورغم أنه لا يطل على تفاصيلها، ولا يستوعب صلابة الـمفاوض الفلسطيني، لأن لديه موقفاً حزبياً مسبقاً منحازاً لحركة حماس، يجره كي يتخذ موقفاً ضد الـمفاوض الفلسطيني لأنه ينتمي لفصائل منظمة التحرير بينما لا يحتج على مفاوض حركة حماس، ولا يندد بالسقف الواطي الذي تسعى إليه حماس لحماية نتائج انقلابها في غزة، وتعمل على شرعنة هذا الانقلاب، حتى ولو كان الثمن الذي تدفعه لإسرائيل من رصيد وحقوق الشعب الفلسطيني الثابتة وغير القابلة للتصرف أو التبديد أو التهاون.

الـمفاوض الفلسطيني لا يعمل وحده ولا يتصرف على رأسه، فهو موضع مراقبة وتدقيق من قبل أعضاء اللجنة التنفيذية لـمنظمة التحرير وفيهم أعضاء 'عتاولة' يمثلون فصائل معارضة لسياسات حركة فتح يقف في طليعتهم عبدالرحيم ملوح من الجبهة الشعبية وتيسير خالد من الجبهة الديمقراطية وحنا عميرة من حزب الشعب وغيرهم من الشخصيات الـمستقلة والحزبية، كما يقف للـمفاوض الفلسطيني بالـمرصاد والـمراقبة أعضاء الـمجلس الـمركزي والوطني، وعلى الصعيد الحزبي هناك مراقبة من قبل اللجنة الـمركزية لحركة فتح والـمجلس الثوري وغيرها من الـمؤسسات الحركية والوطنية، والـمفاوض في هذه الحالة مسلح بمراقبة لا يستطيع النفاذ منها أو التغلب عليها أو القفز عن آلياتها وأدواتها، إضافة إلى أن الـمفاوض الفلسطيني سواء كان أحمد قريع أو صائب عريقات أو ياسر عبد ربه، مسلح بالخبرة والتجربة الطويلة قبل أوسلو وخلاله وبعده، فكيف يمكن الطعن بقدراته كما قال زكي بني ارشيد حين وصف أمام مجلس شورى الحزب الـمفاوضَ الفلسطيني بقوله:

'ضعف الـمفاوض الفلسطيني الفاقد لشرعية التمثيل والـمصداقية، والقابل لتمرير مشاريع مشبوهة وتنازلات كبيرة في حلقات الأرض والعودة والـمقاومة والقدس والحدود والتوطين والـمستوطنات والسيادة'.

ما يقوله أو يفعله زكي بني ارشيد، لا تقتصر نتائجه على حزبه باعتباره الأمين العام، بل يترك آثاره على مجمل الـمناخ الأردني والانطباع الفلسطيني، فهو عضو وقائد في أكبر وأقوى حركة سياسية أردنية، ومواقفها نحو الأحداث تفرض ردود أفعال، وعليه أن يتعلـم من التجربة اللبنانية، حين سقطت كل الـمفردات الـمتطرفة الاتهامية، وجلس الفرقاء على طاولة واحدة وانتخبوا رئيساً واحداً وسيتشاركون في حكومة ائتلافية تضم تيار الـمستقبل ممثلاً الأغلبية في الشعب اللبناني مع ممثلي حزب الله جنباً إلى جنب، ولن يستفيد من تبني الـمفردات الاتهامية سوى 'سواد الوجه' أمام الـمصالحة والتفاهم اللبناني.

مواقف الأحزاب والسياسيين الأردنيين نحو فلسطين وقياداتها أقرب من موقف هؤلاء نحو لبنان وأكثر تأثيراً ولذلك على الأحزاب والشخصيات أن تتحلى بالعقلانية وسعة الأفق وأن يكون تأثيرها مسخّراً للـمصلحة الفلسطينية الواحدة ولـملـمة تمزقاتها وانقساماتها وليس تعميق هذا الانقسام وهذا التمزق الذي لا يفيد سوى العدو الإسرائيلي.

زكي بني ارشيد مطلوب منه إعادة النظر في كيفية تمرير مواقفه وتسويق سياساته بما لا يؤذي الأردنيين والفلسطينيين على السواء فهل يفعل؟؟

مشكور اخى على الموضوع
تقبل مرورى