«حماس» بعد «حزب الله» .. تجميد الأوضاع واستثمار الانتصار

لأن حركة «حماس» اعتقدت ان «حزب الله» سيتمكن من استثمار انتصاره الأخير على بيروت الغربية من خلال اللجنة العربية التي تشكلت على عجل بعد الانقلاب العسكري الذي قام به هذا الحزب في الثامن من هذا الشهر فإنها رأت، أو ان صاحب القرار في طهران رأى، أن عليها ان تتحرك بسرعة لاستثمار الانتصار الذي حققته هي أيضاً عندما قامت بانقلابها في غزة في الرابع عشر من يونيو (حزيران) العام الماضي وقلبت به الأوضاع الفلسطينية رأساً على عقب وأحدثت انقساماً سياسياً وجغرافياً بين «القطاع» والضفة الغربية.

شكت حركة «حماس» من ان العرب يهملونها ويهملون الوضع الفلسطيني ولم يبادروا الى فعل ما فعلوه بالنسبة للمأزق اللبناني وذلك مع ان المشكلة الفلسطينية أكثر خطورة من المشكلة اللبنانية، وحقيقة ان هذا غير دقيق وغير صحيح، فالتحرك العربي تجاه الحالة الفلسطينية كان حتى قبل انقلاب غزة حيث بقيت مصر تعمل على هذا الخط فترة طويلة وهي لا تزال تعمل على هذا الخط حتى الآن وحيث المملكة العربية السعودية بادرت الى إنجاز اتفاق مكة المكرمة لقطع الطريق على فتنة بين الفلسطينيين كانت قد اتضحت معالمها وحيث كانت مهمة الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني الى غزة التي لم تتكلل بالنجاح.

لم تتوقف محاولات ياسر عرفات لرأب الصدع ولتوحيد الحالة الفلسطينية ولإدماج حركة «حماس» بمنظمة التحرير التي اعترف بها العالم بمعظمه ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني حتى قبل ان تنطلق هذه الحركة رسمياً في نهايات عقد ثمانينات القرن الماضي لكن كل محاولاته باءت بالفشل وهكذا بقي الجرح مفتوحاً وراعفاً الى ان كانت الطامة الكبرى وكان انقلاب غزة الذي هو الصفحة الأكثر سواداً في تاريخ هذه القضية .

لقد بقيت «حماس» ترفض الإندماج بمنظمة التحرير رغم كل المغريات والتنازلات التي قدمها ياسر عرفات، وقد واصلت السعي للسيطرة على الحالة الفلسطينية كلها وإلغاء كل التاريخ الفلسطيني واعتبار ان بدايتها هي كتنظيم هي بداية هذا التاريخ وبداية الشهداء والمقاومة، والسبب أنها أُنشئت في طهران قبل ان تنشأ في فلسطين، والشاهد على هذا هو السفير الإيراني السابق في دمشق محمد حسن أختري الذي قال لـ«الشرق الأوسط» قبل أيام وبالحرف الواحد: «إن حزب الله والجهاد الإسلامي وحماس أبناء شرعيون للثورة الإسلامية».. وأن طهران دعمت هؤلاء مالياً وسياسياً ومعنوياً وعسكرياً .. وبكل شيء.

والحكاية التي يجب ان تحكى في هذا المجال الآن هي ان ياسر عرفات الذي ذهب الى طهران في فبراير (شباط) عام 1979 على رأس وفد كبير، حيث أقلته طائرة سورية من طراز (DC10) من مطار دمشق الى مطار مهراباد، سقط في الامتحان عندما أبدى من خلال محادثاته مع الإمام الخميني ومع كبار مساعديه إصراراً واضحاً على عدم الإنحياز الى هذه الثورة وعلى عدم التبعية لها على حساب علاقاته وعلاقات منظمة التحرير وعلاقات ثورته وقضيته مع الدول العربية على مختلف مشاربها ومع الدول الإسلامية على مختلف توجهاتها.

كانت إيران، التي رفعت شعار ضرورة تصدير الثورة حتى قبل انتصار ثورتها، تريد استخدام قدسية القضية الفلسطينية لتحقيق هذا الهدف، ولذلك ولأنها تأكدت لاحقاً بعد اندلاع حرب الثمانية أعوام بينها وبين العراق بأنه لا أمل بانضمام ياسر عرفات و«فتح» ومنظمة التحرير إليها، فإنها بدأت تتحرك وتعمل لأن يكون لها تنظيمها الفلسطيني الذي يتبع إليها مباشرة وبصيغة تبعية حزب الله (اللبناني) الى الولي الفقيه والى فيلق القدس وحرس الثورة، وهكذا جرى إنشاء «حماس» كـ«ابن شرعي للثورة الإيرانية» كما قال محمد حسن أختري في شهادته التي نشرتها هذه الصحيفة «الشرق الأوسط» قبل ايام.

إن «حماس» التي هي ابنٌ شرعي للثورة الإيرانية، والتي لا مرجعية لها إلا مرجعية الولي الفقيه، والتي قامت بانقلابها الآثم بتعليمات مباشرة ليس من دمشق فقط وإنما من طهران بالأساس، والتي بعد هذا الانقلاب حولت قطاع غزة الى رأس جسر إيراني على شاطئ البحر الأبيض المتوسط وعلى غرار الجسر الذي أقامه «حزب الله» في لبنان من شاطئ الأوزاعي في بيروت وحتى الناقورة في الجنوب.. إن «حماس» هذه عندما تدعو اللجنة العربية، التي ذهبت بالمشكة اللبنانية الى الدوحة ولم تحقق الهدف المطلوب، ان تأتي إليها فإنها تريد تجنب الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة الذي ازداد الحديث عنه مؤخراً وأنها في الوقت ذاته تريد تحقيق رغبة إيرانية ـ سورية مشتركة بتجميد الأوضاع في المنطقة وعدم انفجارها الى ما بعد رحيل إدارة الرئيس جورج بوش والى ما بعد الانتخابات الأميركية على أمل ان يكون الفوز في هذه الانتخابات الى جانب الديموقراطيين.

لا شك في ان «حماس» تستجدي التهدئة مع إسرائيل بكل هذه اللهفة وكل هذا الإصرار لأنها تخاف من ان تتحول التهديدات الإسرائيلية الى فعل حقيقي وهجوم عسكري على قطاع غزة سيكون هدفه الأول تصفية وأسْر العدد الأكبر من قياداتها الرئيسية، لكن والى جانب هذا فإن هذه الحركة عندما تدعو اللجنة العربية الى دورٍ فلسطيني كدورها اللبناني فإنها تريد تحقيق الرغبة الإيرانية ـ السورية بتجميد الأوضاع في المنطقة، في لبنان وفلسطين، على ما هي عليها الآن وعلى أساس المعادلة الحالية الى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة.

هناك اعتقاد لدى سوريا وإيران بأن تحالف «فسطاط الممانعة» قد أحرز انتصاراً استراتيجياً تمثل في قيام حركة «حماس» بإنقلاب يونيو العام الماضي وانتزاع غزة من يد محمود عباس والسلطة الوطنية وفي قيام «حزب الله» بانقلابه العسكري الأخير على بيروت الغربية الذي أريد له ان يكون استكمالاً سياسياً لحرب «الانتصار الإلهي» في يوليو (تموز) عام 2006، ولهذا ولأن هناك خشية من ان يقوم بوش في آخر ما تبقى له من أيام في البيت الابيض بمغامرة عسكرية قد يكون الدور الإسرائيلي فيها اجتياحاً عسكرياً خاطفاً للقطاع الغزي فقد كانت هذه المرونة السورية ـ الإيرانية المدروسة جيداً تجاه مساعي الجامعة العربية بقيادة قطرية لتجميد الأزمة اللبنانية عند الحدود التي وصلت إليها، مع الاحتفاظ لحسن نصر الله بسلاحه وبدولته وبالنتائج السياسية التي حققها، الى ما بعد الانتخابات الأميركية.

لو ان «حماس» تريد حقاً انتقال اللجنة العربية التي تعثرت مهمتها في الدوحة من الدائرة اللبنانية الى الدائرة الفلسطينية لإصلاح ذات البين بين الفلسطينيين وعلى قاعدة: «لا غالب ولا مغلوب»، ولو أنها لا تريد استثمار انتصارها بطريقة سعي «حزب الله» لاستثمار «انتصاره»، ولا تريد تحقيق الرغبة الإيرانية ـ السورية بتجميد الأوضاع في المنطقة عند الحدود التي وصلت إليها، فقد كان عليها إما ان تتخلى عن انقلابها أو أن تمد يداً صادقة الى الرئيس محمود عباس (أبو مازن) والى السلطة الوطنية وتنخرط في عملية السلام، أو ان تتخلى عن سلاحها وعن تحالفاتها الخارجية وتتحول الى المعارضة الإيجابية والى حزب سياسي يحتكم الى الديموقراطية وصناديق الاقتراع.